فصل: قال الفراء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والقول الأول عليه أكثر أهل التفسير فأما حجة صاحب هذا القول الثاني بأن (إذ) لما مضى فلا تجب لأن اخبار الله جل وعز عما يكون بمنزلة ما كان فعلى هذا يصح أنه للمستقبل وسنذكر قولهم في {ان تعذبهم فانهم عبادك}.
178 وقوله جل وعز: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} قال أبو إسحاق النفس عند أهل اللغة على معنيين أحدهما أن يراد بها بعض الشيء والآخر أن يراد بها الشيء كله نحو قولك قتل فلان نفسه فقوله عز وجل: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} معناه تعلم حقيقتي وما عندي.
والدليل على هذا قوله: {انك أنت علام الغيوب} وقال غيره تعلم غيبي ولا أعلم غيبك.
179 وقوله جل وعز: {فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم} قال قتادة الرقيب الحافظ وكذلك هو عند أهل اللغة.
180 وقوله جل وعز: {ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم} في هذا أقوال فمن أحسنها أن هذا على التسليم لله جل وعز وقد علم أنه لا يغفر لكافر ولا يدرى أكفروا بعد أم آمنوا ومن الدليل على صحة هذا القول أن سعيد بن جبير روى عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة عزلا وقرأ صلى الله عليه وسلم {كما بدأكم تعودون} فيؤمر بأمتي ذات اليمين وذات الشمال فأقول أصحابي.
فيقال انهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم بعدك فأقول كما قال العبد الصالح {وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم} وقرأ إلى قوله: {وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم} وروى أبو ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قام ليلة يردد {ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم} وقيل انه معطوف على قوله: {ما قلت لهم الا ما أمرتني به} والمعنى على هذا القول ما قلت في الدنيا الا هذا وقال أبو العباس محمد بن يزيد لا يراد بهذا مغفرة الكفر.
وانما المعنى ولان تغفر لهم كذبهم علي وحكايتهم عني ما لم أقل وقال أبو إسحاق قد علم عيسى صلى الله عليه وسلم أن منهم من آمن فالمعنى عندي والله أعلم ان تعذبهم على فريتهم وكفرهم فقد استحقوا ذلك وان تغفر لمن تاب منهم بعد الافتراء العظيم والكفر وقد كان لك أن لا تقبل توبته بعد اجترائه عليك فانك أنت العزيز الحكيم وأما قول من قال ان عيسى صلى الله عليه وسلم لم يعلم أن الكافر لا يغفر له فقول مجترء حتى على كتاب الله جل وعز لأن الاخبار من الله جل وعز لا ينسخ وقيل كان عند عيسى صلى الله عليه وسلم أنهم أحدثوا معاصي وعملوا بعده بما لم يأمرهم به الا أنهم على عمود دينه فقال: {وان تغفر لهم} ما أحدثوا بعدي من المعاصي.
وقوله جل وعز: {هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} سئل بعض أهل النظر عن معنى هذا فقيل له لو صدق الكافر وقال أسأت لم ينفعه ذلك والجواب عن هذا أن يوم القيامة يوم مجازاة وليس بيوم عمل فانما المعنى هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم في الدنيا وتركهم الافتراء على الله جل اسمه وعلى رسله وقيل ينفعهم صدقهم في العمل والله أعلم بما أراد.
انتهت سورة المائدة بعونه تعالى. اهـ.

.قال الفراء:

من سورة المائدة:
ومن قوله تبارك وتعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ... (1)}
يعنى: بالعهود. والعقود والعهود واحد.
وقوله: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ} وهى بقر الوحش والظباء والحمر الوحشيّة.
وقوله: {إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ} في موضع نصب بالاستثناء، ويجوز الرفع، كما يجوز: قام القوم إلا زيدا وإلّا زيد. والمعنى فيه: إلا ما نبينه لكم من تحريم ما يحرم وأنتم محرمون، أو في الحرم. فذلك قوله غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ يقول: أحلّت لكم هذه غير مستحلّين للصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ. ومثله إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وهو بمنزلة قولك (فى قولك) أحلّ لك هذا الشيء لا مفرطا فيه ولا متعدّيا.
فإذا جعلت (غير) مكان (لا) صار النصب الذي بعد لا في غير. ولو كان (محلّين الصيد) نصبت كما قال اللّه جل وعز: {وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ} وفى قراءة عبد اللّه {ولا آمّى البيت الحرام}.
{إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ}: يقضى ما يشاء.
وقوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ... (2)}
كانت عامّة العرب لا يرون الصفا والمروة من الشعائر، ولا يطوفون بينهما، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: لا تستحلّوا ترك ذلك.
وقوله: {وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ}: ولا القتال في الشهر الحرام.
{وَلَا الْهَدْيَ} وهو هدى المشركين: أن تعرضوا له ولا أن تخيفوا من قلّد بعيره. وكانت العرب إذا أرادت أن تسافر في غير أشهر الحرم قلّد أحدهم بعيره، فيأمن بذلك، فقال: لا تخيفوا من قلّد. وكان أهل مكّة يقلّدون بلحاء الشجر، وسائر العرب يقلّدون بالوبر والشعر.
وقوله: {وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ} يقول: ولا تمنعوا من أمّ البيت الحرام أو أراده من المشركين. ثم نسخت هذه الآية التي في التوبة {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} إلى آخر الآية.
وقوله: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ} قرأها يحيى بن وثّاب والأعمش: ولا يجرمنّكم، من أجرمت، وكلام العرب وقراءة القرّاء {يَجْرِمَنَّكُمْ} بفتح الياء. جاء التفسير: ولا يحملنّكم بغض قوم. قال الفرّاء: وسمعت العرب تقول:
فلأن جريمة أهله، يريدون: كاسب لأهله، وخرج يجرمهم: يكسب لهم. والمعنى فيها متقارب: لا يكسبنّكم بغض قوم أن تفعلوا شرّا. فـ(أن) في موضع تصب.
فإذا جعلت في (أن) (على) ذهبت إلى معنى: لا يحملنّكم بغضهم على كذا وكذا، على أن لا تعدلوا، فيصلح طرح (على) كما تقول: حملتنى أن أسأل وعلى أن أسأل.
{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ} وقد ثقّل الشنان بعضهم، وأكثر القرّاء على تخفيفه.
وقد روى تخفيفه وتثقيله عن الأعمش وهو: لا يحملنكم بغض قوم، فالوجه إذا كان مصدرا أن يثقّل، وإذا أردت به بغيض قوم قلت: شنآن.
{وأَنْ صَدُّوكُمْ} في موضع نصب لصلاح الخافض فيها. ولو كسرت على معنى الجزاء لكان صوابا. وفى حرف عبد اللّه إن يصدّوكم فإن كسرت جعلت الفعل مستقبلا، وإن فتحت جعلته ماضيا. وإن جعلته جزاء بالكسر صلح ذلك كقوله»
{أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ} وأن، تفتح وتكسر. وكذلك أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ تكسر. ولو فتحت لكان صوابا، وقوله باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ فيه الفتح والكسر. وأمّا قوله بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ فـ(أن) مفتوحة لأنّ معناها ماض كأنك قلت: منّ عليكم أن هداكم. فلو نويت الاستقبال جاز الكسر فيها. والفتح الوجه لمضىّ أوّل الفعلين. فإذا قلت: أكرمتك أن أتيتنى، لم يجز كسر أن لأنّ الفعل ماض.
وقوله: {وَتَعاوَنُوا} هو في موضع جزم. لأنها أمر، وليست بمعطوفة على تَعْتَدُوا.
وقوله: {وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ... (3)}
ما في موضع رفع بما لم يسمّ فاعله.
{وَالْمُنْخَنِقَةُ}: ما اختنقت فماتت ولم تدرك.
{وَالْمَوْقُوذَةُ}: المضروبة حتى تموت ولم تذكّ.
{وَالْمُتَرَدِّيَةُ}: ما تردّى من فوق جبل أو بئر، فلم تدرك ذكاته.
{وَالنَّطِيحَةُ}: ما نطحت حتى تموت. كل ذلك محرّم إذا لم تدرك ذكاته.
وقوله: {إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ} نصب ورفع.
{وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ}: ذبح للأوثان. و(ما ذبح) في موضع رفع لا غير.
{وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا} رفع بما لم يسمّ فاعله. والاستقسام: أنّ سهاما كانت تكون في الكعبة، في بعضها: أمرنى ربى، (وفى موضعها: نهانى ربى) فكان أحدهم إذا أراد سفرا أخرج سهمين فأجالهما، فإن خرج الذي فيه (أمرنى ربى) خرج. وإن خرج الذي فيه (نهانى ربى) قعد وأمسك عن الخروج.
قال اللّه تبارك وتعالى: {ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ} والكلام منقطع عند الفسق، والْيَوْمَ منصوب بـ(يئس) لا بالفسق.
{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ} نصب (اليوم) بـ(أحلّ).
وقوله: {غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ} مثل قوله: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} يقول: غير معتمد لإثم. نصبت (غير) لأنها حال لـ(من)، وهى خارجة من الاسم الذي في (اضطرّ).
وقوله: {وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ... (4)}
يعنى الكلاب. ومُكَلِّبِينَ نصب على الحال خارجة من (لكم)، يعنى بمكلّبين:
الرجال أصحاب الكلاب، يقال للواحد: مكلّب وكلّاب. وموضع (ما) رفع.
وقوله: (تعلّمونهنّ): تؤدّبونهن ألّا يأكلن صيدهنّ.
ثم قال تبارك وتعالى فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ممّا لم يأكلن منه، فإن أكل فليس بحلال لأنه إنما أمسك على نفسه.
وقوله: {وَأَرْجُلَكُمْ... (6)}
مردودة على الوجوه. قال الفراء: وحدّثنى قيس بن الربيع عن عاصم عن زرّ عن عبد اللّه بن مسعود أنه قرأ (وأرجلكم) مقدّم ومؤخر. قال الفراء: وحدّثنى محمد بن أبان القريشي عن أبى إسحاق الهمدانىّ عن رجل عن علىّ أنه قال: نزل الكتاب بالمسح، والسنّة الغسل. قال الفراء: وحدّثنى أبو شهاب عن رجل عن الشعبىّ قال: نزل جبريل صلى اللّه عليه وسلم بالمسح على محمد صلى اللّه عليهما وعلى جميع الأنبياء. قال الفراء: السنة الغسل.
وقوله: {أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ} كناية عن خلوة الرجل إذا أراد الحاجة.
وقوله: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى... (8)}
لو لم تكن (هو) في الكلام كانت (أقرب) نصبا. يكنى عن الفعل في هذا الموضع بهو وبذلك تصلحان جميعا. قال في موضع آخر إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ وفى الصفّ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ فلو لم تكن (هو) ولا (ذلك) في الكلام كانت نصبا كقوله انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ.
وقوله: {يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا... (19)}
معناه: كى لا تقولوا: ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ مثل ما قال يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا.
وقوله: {إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ... (20)}
يعنى السبعين الذين اختارهم موسى ليذهبوا معه إلى الجبل، سمّاهم أنبياء لهذا.
وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا يقول: أحدكم في بيته ملك، لا يدخل عليه إلا بإذن.
وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعالَمِينَ ظلّلكم بالغمام الأبيض، وأنزل عليكم المنّ والسّلوى.
وقوله: {ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ... (21)}
ذكر أن الأرض المقدّسة دمشق وفلسطون وبعض الأردنّ (مشدّدة النون).
وقوله: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا... (24)}
فقال (أنت) ولو ألقيت (أنت) فقيل: اذهب وربك فقاتلا كان صوابا لأنه في إحدى القراءتين إنه يراكم وقبيله بغير (هو) وهى بهو وفَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ أكثر في كلام العرب. وذلك أنّ المردود على الاسم المرفوع إذا أضمر يكره لأن المرفوع خفىّ في الفعل، وليس كالمنصوب لأنّ المنصوب يظهر فتقول ضربته وضربتك، وتقول في المرفوع: قام وقاما، فلا ترى اسما منفصلا في الأصل من الفعل، فلذلك أوثر إظهاره، وقد قال اللّه تبارك وتعالى أَإِذا كُنَّا تُرابًا وَآباؤُنا ولم يقل (نحن) وكلّ صواب.
وإذا فرقت بين الاسم المعطوف بشيء قد وقع عليه الفعل حسن بعض الحسن.